زي النهاردة

«رمضان محبّة».. أقباط مصر يفرشون أرض المحروسة بموائد المحبة

كتب: أحمد عبد السلام, عمر الشيخ, تريزا كمال, مجدي أبو العينين, محمد محمود رضوان, هاني عبد الرحمن

الحصان وعروسة المولد وفانوس رمضان، عادات ارتبطت فى الأصل، بالمسيحية، وولدت فى ظل العهد المسيحى. فالأقباط كما قال «المقريزى» كانوا يحتفلون بعيد «الغطاس» بصناعة الفوانيس والشموع الضخمة، وكان يسمى هذا اليوم «عيد الأنوار» وفى منطقة مصر القديمة بجوار الكنائس الأثرية، منطقة تسمى قصر الشمع، حيث كان الأقباط يصنعون الفوانيس والشموع.

وأخذ المسلمون عن الأقباط بعض العادات فى المولد النبوى الشريف، فـ«العروسة» هى تصوير للقديسات فى المسيحية حيث يضع الأقباط على رؤوس القديسات والقديسين «هالة» ترجمت إلى الهالة المصنوعة من أوراق الكروشيه على رأس العروسة فى المولد النبوى، كذلك الشهداء فى الكنيسة تصورهم باستمرار وهم يركبون الخيول مثل مار جرجس والأمير تادرس وغيرهما.. فأخذت هذه الرسومات وترجمت إلى هدايا من الحلوى وهى عادة لا تزال قائمة حتى الآن.

التاريخ إذن يعترف بأن روح المحبة وطقوس الاحتفالات تداخلت حتى لم يعد معروفا الفرق بين طقس مسيحى أو شعيرة إسلامية، وفى «رمضان» المحبة، كانت للإخوة الأقباط مبادرات روحية أكثر ودا وتقربا وإخاء.. فظهرت موائد رحمن بالكنائس، ووزع القساوسة وجبات الإفطار على الصائمين، فيما حشد رجال وشباب مسيحيون أنفسهم لتهيئة المساجد والسرادقات لصلاة القيام فى الشهر الكريم.

«قلب واحد».. مبادرة مسيحية لإفطار الصائمين بشوارع «الواحات»

لا تتعجب عندما يستوقفك فى الواحات فريق من شباب وفتيات أقباط، ليقدموا لك العصائر والوجبات وقت أذان المغرب، إذا حالت ظروفك دون تناول الإفطار بمنزلك.

«قلب واحد».. فريق مسيحى متطوع للمشاركة المجتمعية منتشر بشوارع وميادين مدينة الخارجة بالوادى الجديد، لتوزيع الوجبات والعصائر للصائمين وقت الإفطار، دون أن ينسوا الجنود ورجال الأمن المنتشرين فى الشوارع، وسط فرحة عارمة من الجميع، ابتهاجا بالمحبة التى يوزعها الفريق فى الشهر الكريم.

وقالت تهانى حبيب، قائد المجموعة «إن الفريق ينتمى للوطن ومن حق الجميع المشاركة فيه.. ونحن نشارك فى كل مناسبات الوطن وآخرها انتخابات الرئاسة، وللعام الثالث على التوالى نتطوع لتقديم الوجبات على الصائمين فى رمضان بأكثر من مكان، منها ميدان مديرية الأمن ومدخل حى الزهور، وأمام كنيسة العذراء مريم، وكل ذلك تحت شعار «قلب واحد لوطن واحد».

وأكد أسعد فرح، أحد داعمى المبادرة، أن أعضاء الفريق يستهدفون كل من يتواجد فى الشوارع والميادين الرئيسية ويتم استيقاف المارة والسيارات لتوزيع العصائر عليهم وقت أذان المغرب للإفطار، مؤكدا أن أعمال الفريق لاقت استحسان جموع مواطنى مدينة الخارجة، خاصة أنها أصبحت عادة سنوية للشباب الأقباط أعضاء الفريق، ما يعمق مفهوم وحدة النسيج المصرى الذى لن يتأثر بأى مؤامرات تحاك ضد الوطن.

عضو المجلس الملى لإبراشية بنى سويف: 15 سنة «مائدة رحمن»

15 عاما كاملة، ولا يزال «إيهاب يوسف نسيم»، عضو المجلس الملى عن إبراشية بنى سويف السابق، وشقيقه نادر، رئيس مجلس إدارة المعهد العالى للعلوم الإدارية ببنى سويف، يقيمان مأدبة إفطار لأصدقائهما من المسلمين، فى الجمعة الثانية من شهر رمضان.

وتضم مأدبة رمضان هذا العام عددا من أسر أساتذة الجامعة والإعلاميين والسياسيين ورجال الشرطة ببنى سويف، وعددا من شباب الأحزاب والأقباط، ومن بين المدعوين الدكتور عبدالرحمن سليم، عميد كلية تجارة بنى سويف، والدكتور أحمد أبوالقمصان، عميد المعهد العالى للعلوم الإدارية، والدكتور محمد هاشم، أستاذ بقسم الرياضيات، ومصطفى فؤاد، مدير مكتب الأهرام، وهانى فتحى، مراسل اليوم السابع، وعمرو رجب، مراسل الوطن، وتونى عثمان، رئيس مجلس إدارة نادى الشبان المسلمين، وجابر سليم، رئيس نادى بنى سويف السابق، وجرجس وهيب، عضو الجمعية القبطية بمركز ناصر، و50 من المسلمين. وقال «نسيم»: «إن المسيحيين يحافظون على مشاعر إخوتهم المسلمين ويحرصون على عدم تناول الطعام والشراب أمامهم فى نهار رمضان، ونحن فى مصر، مسلمين ومسيحيين، صيامنا وأعيادنا واحدة، وفكرنا واحد، لأننا نعبد إلها واحدا، وقد تعوّدنا تجمع المسلمين مع المسيحيين فى شهر رمضان».

وهنأ نادر نسيم أصدقاءه بشهر رمضان، مؤكدًا أن المصريين سيظلون نسيجا واحدا لن تؤثر فيه بعض الأزمات الطارئة أو المفتعلة، وقال: «إننا نشعر بأن شهر رمضان هو شهر كل المصريين- مسلمين ومسيحيين- فنحن ننتظره ونترقب هلاله مثل المسلمين، لأنه يتميز بمناخ من الفرحة والروحانية والمحبة بين الجميع».

فى ملوى.. أبونا «أغسطينوس» يوزع وجبات الإفطار على الصائمين

قد يكون معتادا وراسخا فى الأذهان، تلك الصورة التى تتكرر كل عام مع إعلان قدوم رمضان، لشيخ يصافح قسيسا، أو يرفعان معا علم مصر فى مناسبة وطنية.

الصورة الجديدة قادمة من جنوب المنيا، حيث مدينة ملوى، عندما يجتمع الشيخ سامح جلال، أمين بيت العائلة المصرية بملوى، والقس أغسطينوس إيليا، نائب رئيس بيت العائلة، ليوزعا وجبات الإفطار الرمضانية على الصائمين فى شهر الرحمة. موجهين رسالة أكثر فاعلية لكل أفراد المجتمع، يعلنان فيها أن محبة الله لا تضع فرقا بين مسلم أو مسيحى، ولا بين «رمضان» و«الصوم الأكبر».

يقول الشيخ سامح جلال، إنهما للعام الثانى على التوالى، يوزعان وجبات الإفطار الرمضانية بمساعدة مؤسسة مصر الخير بالمنيا، وأنهما قررا ألا يعتمدا كبيت عائلة على الشباب من المسلمين والمسيحيين وحدهم، بل قررا النزول لشوارع ملوى بأنفسهما لتوزيع الوجبات قبل الإفطار لتصل رسالة المحبة والتعايش كاملة.

وتابع إيليا، «أغلب أفراد المجتمع لا يشاهدون لقاءاتنا التى تغلفها المحبة فى بيت العائلة، أو فى أى مجلس آخر سوى من خلال الصور الثابتة، لذا قررنا أن يشاهدوا على الطبيعة ما نقوله ونفعله داخل نطاق ضيق لتصل بذلك رسالة قد لا يعبر عنها بالوعظ والخطب فى المساجد والكنائس».

فقط فى مصر.. «سرادق ريمون ميخائيل» لصلاة القيام بكفرالشيخ

ريمون عزيز ميخائيل، شاب مسيحى، اعتاد إقامة سرادق أمام مسجد «الكرام» بمدينة دسوق بكفرالشيخ، مزينا الشارع ببوابة كبيرة، ولمبات إضاءة، معلقا عليها «فانوس» كبيرا كُتب عليه «رمضان كريم.. كل عام وإحنا كلنا طيبين.. وطن واحد.. شعب واحد».

واعتاد ريمون أن يفرش الشارع المزين بالبالونات والزينة بالسجاد كل ليلة قبل صلاة التراويح، نظرا لضيق مساحة المسجد، مقدما الماء البارد والعرقسوس والتمرهندى بين الصلوات، حتى ذاع صيت ريمون بمدينة دسوق التى باتت تتحدث عن سماحة ريمون وحبه للجميع.

ويقول ريمون: «إننا جميعا مصريون ولا فرق بين مسلم ومسيحى، وقد ولدت وتربيت بين زملائى المسلمين، وعلمنى والدى أننا نعيش فى بلد واحد، لا يفرق بيننا أحد، ولا يعرف كثيرون أننى مسيحى رغم اعتزازى بديانتى، وديننا دين محبة. ووجه رسالة للجماعة المحظورة التى تريد أن تفرق بين المصريين، قائلا: «لن تنجحوا فى ذلك وأكرر لهم مقولة الراحل البابا شنودة بأن مصر وطن يعيش فينا، وليس وطنا نعيش فيه». (وفى حديقة مجلس مدينة كفرالشيخ، وتحت إشراف أحمد زكى، وجورج سمير، أقام مجموعة من الشباب مائدة رحمن كبرى، يستعدون لها كل صباح رافضين تلقى المساعدات أو مشاركة أى أحزاب سياسية أو مسؤولين بالمحافظة، أو أى جهات أخرى، حريصين على تقديم 300 وجبة يومية، منها 50 للمغتربات من الطالبات.

«فادى إيميل» يوزع كرتونة رمضان على الصائمين.. وأمه تعد الوجبات فى بيتها

15 عاما، لم ينقطع خلالها «فادى إيميل صبحى»، عن عادته كلما دخل شهر الصيام، فيبدأ كأحد أعضاء جمعية «ولاد البلد» الخيرية، تجهيز وتغليف وتوزيع «كرتونة» رمضان على المحتاجين والفقراء من أبناء الإسماعيلية.

يقول خالد بديوى رئيس مجلس إدارة الجمعية، «فادى شاب إسمعلاوى مسيحى، موظف بجامعة قناة السويس، تعلمنا معه أنه لا فرق بين مسلم ومسيحى، فهو الذى يحضر مستلزمات الطعام والوجبات التى تطهوها والدته فى منزلهم، قبل أن يوزعها ومعه العصائر والبلح على السائقين وأصحاب السيارات والمواطنين، بإشارات المرور المختلفة على مستوى المحافظة، وعلى المحتاجين من الفقراء، كما يشارك فى العديد من حفلات الجمعيات الخيرية، وكان عضو اللجنة التى تستقبل حالات المسيحيين النازحين من العريش.

ولا ينتظر فادى إيميل شكرأ أو مكافأة من شخص أو حتى من مؤسسات، فالشاب المسيحى المتطوع يقدم عمله عن قناعة شخصية مع عدد من الزملاء لتقديم الخدمات للصائمين وتوفير الوجبات الساخنة لبعض الأسر المحتاجة، وكل هذا «محبة فى الله لإخواننا المسملين».

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى